هل من مشيئة الله بناء هيكل لليهود ؟
+ علاقة العهد القديم بالعهد الجديد :
العهد القديم بكل أنظمته وشرائعه الدينية والطقسية هو بمثابة الأساس الذي شُيد فوقه صرح العهد الجديد الضخم الشامل .. إنه بمثابة جذور الشجرة الضخمة التي تتآوي طيور السماء في أغصانـها رمزاً لكل الشعوب والأمم … جذور الشجرة غير ظاهرة . ولكنها تحمل الشجرة وعلى هذا ، فلا يمكن فهم العهد الجديد والمسيحية كما ينبغي ، ما لم نفهم جيداً كتاب العهد القديم بكل ما فيه ……
فالمسيحية ليست ديانة مستحدثة ظهرت منذ نحو ألفي عام . كانت اليهودية هي المقدمة . وكان المفروض أن جميع اليهود يصبحوا مسيحيين وتتلاشى اليهودية وتبتلع في المسيحية ، لو أن اليهود جميعاً آمنوا بالمسيح فالمسيحية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ البشري حتى تصل إلى الإنسان الأول آدم .
والكنيسة المسيحية لا تبدأ من يوم الخمسين …. هذا أمر على جانب كبير من الأهمية ، أن ندرك أن المسيحية كديانة غير منفصلة عن الديانة اليهودية … فالدين هو التعبير عن علاقة البشر بالله … هذه العلاقة قائمة منذ بدء الخليقة . ثم جاء وقت انحصرت تلك العلاقة في جماعة معينة ، عرفت باسْمِ شعب الله .
ثم حدث تطور في هذه العلاقة في مفاهيمها وممارستها متمشية مع قصد الله ، واستعداد البشر ، فصارت في أكمل وأبـهى صورها ، وشملت الخليقة كلها ، فيما عرف باسْمِ المسيحية … إذن فالديانة واحدة عُرف شطرها الأول باسْمِ اليهودية ، وشطرها الثاني باسْمِ المسيحية . والكتاب المقدس كتاب واحد يحوي بين دفتيه عهداً قديماً وآخر جديداً . والإله الذي نؤمن ونعبده هو إله واحد – لا إله سواه – كان غير منظور في العهد القديم ، وصار منظوراً في المسيح في العهد الجديد … إن الله
واحد ، والبشر كبشر طبيعتهم واحدة ، ومن المنطق والبديهي أنـهم يرتبطون بـهذا الإله الواحد بعلاقة دينية واحدة .
كانت العلاقة قديماً تربط الله بشعب واحد هم اليهود ، ثم حدث - بموت المسيح وقيامته ما نتج عنها – أن انفتحت المسيحية على العالم كله
» أذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها « ( مرقس 16 :15 ) وهكذا لم يعد اليهود هم شعب الله ..بل صار العالم كله بشعوبه هم شعب الله . لا فرق بين يهودي ويوناني ، أو عبد وحر ، أو بربري وسكيثي .
+ هل توجد نبوءات بالعهد القديم عن رجوع اليهود ؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال ، لابد أن نضع له مقدمة لازمة توضحه : لما وقعت مملكتا ( إسرائيل ويهوذا ) في عبادة الأصنام . وتناهي بـهما الأمر في الفساد ، أسلمهما الرب إلى أيدي أعدائهما ، وألقاها إلى سبي بابل وأشور . فوقعت مملكة إسرائيل في السبي في القرن الثامن قبل الميلاد . وكذلك سبيت مملكة يهوذا في القرن السادس قبل الميلاد . وقد تنبأ أنبياء العهد القديم – مثل حزقيال وإرميا وزكريا وغيرهم – عن رجوع اليهود من السبي ، بعد أن يقضوا فترة تأديب معينة . وكل من هؤلاء الأنبياء الثلاثة عاصروا السبي . وإرميا النبي تنباء قبل السبي وأثناءه وتلك النبوات عن رجوع اليهود من السبي ، قد تحققت فعلاً ، وتمت في القرن الخامس قبل الميلاد في عهد كورش الملك الفارس وفي عهد ارتحشستا وفي عهد نحميا وعزرا وزربابل من أنبياء اليهود ورؤسائهم . وقد ورد ذلك في سفري نحميا وعزرا من أسفار العهد القديم .
وقد شرح نحميا كيف رمموا أبواب أورشليم التي كانت محروقة
بالنار ، وكيف سقوفها وأقاموا مصاريعها وأقفالها وعوارضها . وكان ذلك في عهد الياشيب رئيس الكهنة . وتحدث نحميا أيضاً عن بنائهم لسور أورشليم ، وعن ولايته للشعب في عهد ارتحشستا الملك ، والإصلاحات التي قام بـها …
وفي عهد كورش ملك الفرس اُعيد بناء الهيكل ، وهو الهيكل الذي تنبأ السيد المسيح عن خرابه ( متي 24: 2 )
وكان رجوع اليهود هذا ، بعد 70 سنة من سبي يهوذا .وهو الذي قيل عنه في سفر أخبار الأيام الثاني ( 36 : 30 –32 ) : » وسبي الذين بقوا من السيف إلي بابل ، فكانوا له ( أي لنبوخذ نصر ) ولبنيه عبيدا إلي أن ملكت مملكة فارس ، لإكمال كلام للرب بفم إرميا حتى استوفت الأرض سبوتـها ، لأنـها سبتت في كل أيام خرابـها لإكمال سبعين سنة . وفي السنة الأولي لكورش ملك فارس لأجل تكميل كلام الرب بفم إرميا ، نبّه الرب روح كورش ملك فارس «
وهكذا أصبح ما قال عنه الأنبياء من رجوع اليهود بعد السبي جزءاً من التاريخ السابق للمسيح ، وخرج عن نطاق النبوة بتحققه في القرن الخامس قبل الميلاد .
أما عن تشتتهم بعد المسيح فلم ترد نبوءة واحدة في الكتاب عن رجوعهم منه .أنه مصيرهم النهائي .
+ لا توجد حكمة في رجوعهم :
إن الهدف الإلهي من وضع اليهود في أرض معينة في العهد القديم قد انتفي وانتهي وزال .
في العهد القديم كانت الأرض غارقة في عبادة الأصنام فأراد الله عزل جماعة معينة ، في أرض معينة ، تكون فيها مغلقة علي ذاتـها ، حتى لا تذوب هي أيضاً في الجو الوثني فيضيع الإيمان كله . وهكذا منعهم من الخلطة بالشعوب .وعندما كانوا يختلطون ، كانوا يقعون في الوثنية هم أيضاً .
إن الرب عزلهم لكي يحفظوا الإيمان والنبوات والرموز والعقائد إلي أن يوصلوها إلي الجيل الذي يتسلمها منهم وبالكاد فعلوا ذلك بجهد عظيم ، وبعد سقطات مرّة وبشعة. فلما تسلمت المسيحية منهم وديعة الإيمان ، زال الغرض من بقاء اليهود ومن فكرة العزلة والأرض …فما الحكمة من أن يرجع الله اليهود مرة أخري إلي الأرض ؟ ! أي إيمان سيحفظونه وهم بعيدون عن الإيمان ؟! إن المؤمنين حالياً يملأون العالم .فهل يأخذ الله آلاف الملايين هذه ويضعها في قطعة أرض ؟! إن فكرة العزل في أرض معينة قد زالت وانتهت .