مَن يَقدِر أن يؤذيك ..!
ما هو الظُلم ..؟
علينا أولاً أن نتساءل ما هو الظُلم ؟ من أي شئ يتكوّن مادته؟ و ما هو الصلاح البشري؟ و ما الذي يُدَمَّره؟ و ما الذي يبدو أن يُدَمَّره لكن في الحقيقة لا يُدَمَّره؟
أقول بأن كل شئ له عدو شرير يؤذيه . فالحديد يفسده الصدأ , و الخشب يفسده السوس , و قطيع الخراف تهلكه الذئاب , و سنابل القمح يهلكها اليرقان و الجدب , و أشجار أُخرى تؤذيها الديدان .... إذن لكل شئ له ما يفسد خواصه أو صلاحيته . و الآن لنفكر ما هو هذا الذي يُحطِّم الجنس البشري , و ما هو الذي يفسد صلاح الإنسان ؟
يظُن غالبية البشر أنه توجد أشياء كثيرة قادرة على إهلاكنا . فعلينا أن نوضح الآراء الخاطئة في هذا الأمر ... مُظهرين بوضوح أنه لا يوجد شئ يقدر أن يجلب علينا ضرراً أو هلاكاً, ما لم نَخُن نحن أنفُسنا بأنفُسنا, يتصوّر ذوو الأفكار الخاطئة , أنه توجد أشياء كثيرة تقدر أن تفسد صلاحنا , البعض ينظر إلى الفقر , و أخرون ينظرون إلى الأمراض البدنية , و أخرون فقدان المُمتلكات , أو حلول مصائب و يضيفون قائلين : "يا لها من نكبة حلَّت هكذا بالرجُل , فقد تبددت أمواله !" ... و لكن لا يبكي أحد على السالكين في الإثم , الذين هُم أردأ حالاً من الكُل , بل بالعكس يهنئونهم مُشجعين إياهُم على إرتكاب كُل الشرور .
و الآن يُلزمني أن أؤكد ... أن لا شئ من هذه الأمور يقدر أن يؤذي الإنسان الذي يعيش بوقار , و لا يستطيع أن يفقده صلاحهُ .
مثال ذلك : إخبرني لو أن إنساناً فقد كُل ماله بواسطة مُحتالين أو لصوص . ماذا يُمكن لهذه الخُسارة أن تفعل بصلاحه ؟!
و إن كُنت أُريد أن أوضح هذا الأمر , يُلزمني أولاً أن أُشير إلى مفهوم صلاح الإنسان معالجاً الموضوع بأمثلة أُخرى من المخلوقات حتى يمكن أن يكون الأمر جلياً و أكثر إدراكاً لغالبية القُرّاء .
صلاح الإنسان : (ليكُن له هدف واضح)
ما هو صلاح الفَرَس ؟
أليس صلاحه يكمُن في خفة حركته و قوة أقدامه و خطوته , و قدرته على القيام بالرحلات الطويلة و استخدامه في الحرب ... هل يستمد صلاحهُ من خامة اللّجام أو أربطة من خيوط حريرية ..! أو غطاء فوق الشعر مُضفَّر .!
إذاً ما هو صلاح الإنسان ؟
لا يَكمُّن صلاح الإنسان في الغِنَى حتى نخاف الفقر , و لا في الصحة البدنية فنرهب المرض , و لا في نظرة الناس إليك حتى نحذر ما يقوله الناس عنك بشرٍ , و لا في الحياة هُنا في ذاتها حتى ترتعب من الموت ... إنما يَكمُّن صلاحه في التَمَسُّك بالتعاليم الحقيقية , و الإستقامة في الحياة , الأمور التي لا يستطيع أحد , حتى الشيطان نفسه أن يسلبها من الإنسان طالما كان حريصاً عليها كما ينبغي .
هذا الأمر يدركه تماماً حتى أخبث الشياطين و أشدّهم . لهذا جرَّد الشيطان أيوب مادياته لا ليجعله فقيراً , إنما لكي يجعله ينطق بكلمة تجديف على الله , و عذّب جسده لا ليذلهُ بالمرض , بل ليحبط صلاح نفسه , لكنه عندما نفَّذَ كل حيِّلهُ , لم يستطع أن يؤذِ أيوب بل العكس تمجد بالأكثر على حساب هذه المكائد التي وُجِهَت ضده .
لقد أخذ الشيطان منه كثيراً لكنه لم يسلبه شيئاً من صلاحه ...
و الآن إن كان الذي كابَد آلاماً مثل هذه , التي ليست من عمل إنسان , بل من عمل الشيطان الأكثر شراً من كل البشرية , هذا لم يصبه أي ضرر ,
فكيف تقدر أن تتهم إنساناً أو آخر أنه يحمل في يديه ضرراً , لغيره , و ليس لنفسه ؟
[b]
