بنـــــــــــــاء العـــــــــــــابد قبل بنــــــــــاء المعـــــــــابد
من يرى ملابس الجالس فى الصورة المقابلة لا يصدق مطلقا انه أسقفا , ولكنه أسقفا من أساقفة الكنيسة القبطية أسمه الأنبا أبرآم , وأطلق عليه الشعب القبطى لقب قديسا وصدرت العشرات من الكتب تعدد فضائله , فكثيرين من الأساقفة يلبسون اليوم الملابس الثمينة ويركبون العربات الفاخرة ويمسكون الصلبان الثمينة ويلبسون المناطق المذهبة المطعمة بالأحجار الكريمة فى الوقت الذى يتضور الكثير من الأقباط جوعاً , وأتذكر أن البابا شنودة حينما ذهب إلى أستراليا أهداه دير الأنبا شنودة فى سيدنى صليباً كبيراً من الذهب , فإستأذنهم فى بيعه وأعطاء ثمنه إلى الفقراء وهناك عبارة قبطية مشهورة تقول بناء العابد قبل بناء المعابد .
وحينما يطلق الأقباط على شخص ما كلمة قديس فيعنى من وجهه نظرهم ما فعله معهم من بر وخير , وقوة الرب العاملة فيه من معجزات وحكمة وقوات أخراج الشياطين وغيرها من مواهب الروح القدس ولا ينتظر الأقباط موافقة المجمع المقدس للكنيسة القبطية وأدراج الأسم من ضمن قديسى الكنيسة فى أطلاق أسم قديس على الشخص ولكنهم يطلقون كلمة قديسين على من يرون منه الخير والبر ومواهب الروح بمجرد نياحته .. .. ... .. .. وهكذا أطلق الأقباط على الأنبا آبرآم أسقف الفيوم كلمة قديس .
بولس يذهب ليترهبن فى الدير المحرق
فى سنة 1829 م الموافقة سنة 1545 ش ولد القديس الأنبا أبرآم بمدينة دلجا التابعة لمركز ديروط مديرية أسيوط ويوجد قول آخر أنه ولد بعزبة جلده مركز ملوى مديرية المنيا - من أبويين مسيحيين مشهود لهم بالتقوى تقيين وسمياة بولس فربياه تربية مسيحيه, وعندما كبر أرسله أبوه إلى كتاب (لم يكن هناك مدارس للتعليم ولكن كانمعلم الكنيسة يعلم الأطفال ) القرية فتعلم المزامير والتسابيح ,ولما أظهر نبوغا بين أقرانه رسمه الأنبا يوساب أسقف صنبو شماسا على كنيسة جلده , وقد أحبه الجميع لأنه أقتنى الفضيلة والتقوى والورع وكان هادئل , تقيا , محباً للصوم والصلاة , مواظباً على العبادة محتشماً فى ملبسه قنوعاً فى مأكله كثر الأقتراب للرب يسوع بعيد عن الإختلاط بالناس ورسم شماسا فى الخامسة عشره من عمره بيد نيافة الأنبا يوساب اسقف صنبو .
وقرية دلجا مركز ملوى وكانت بلد عريقه كان بها اربعه وعشرون كنيسة واربعه اديره كبيرة لـم يبقى منهم سوى كنيسة واحده باسم السيدة العذراء وهـى التى نـال فيها القديس سر المعمودية وتربى بها وفى الثامنة من عمره سنة 1838 م تنيحت والدته وبعدها بثلاث سنوات تزوج ابوه ومنذ ذلك التصق القديس بالكنيسة .
وعندما بلغ بولس من العمر 17 سنة ولم يعرف شيئاً عن ملذات العالم وتهريج الشباب فقد سبق أن سلم نفسه وحياته للرب يسوع , ولم يجتذبه العالم إليه ولكن أجتذبه الرب يسوع وعزم نهائيا أن يترك العالم لأهل العالم وهرب من البحث وراء غنى العالم وشهواته وتعظم معيشته مفضلاً حياة الفقر فى الرهبنة وفى التاسعة عشرة من عمره فى الثامنة عشر من عمره قـرر تـرك العالم واختار حياة التكريس الكامل للـرب فذهب الى ديـر السيدة العذراء المحرق ثم بعد عام رسم راهبا فى سنة 1838 م بيـد القمص عبد الملاك الهورى رئيس الدير باسم الراهب بولس غبريال الدلجاوى المحرقى اشتم رائحة المسيح الذكية فيه نيافة الأنبا ياكوبوس مطران المنيا فارسل لرئيس الدير يطلب منه السماح للراهب بولس غبريال بالخدمة فى المنيا فوافق الرئيس واطاع الـراهب بولس وذهب هناك سنة 1859 م وبعد عام رسم قساً بيد الأنبا ياكوبوس ثم بعد ثلاث سنوات اراد الرجوع الى ديـره وتمت العوده سنة 1863 م
فى سنة 1866 م عـزل القمص عبد الملاك الهورى من رئاسة الدير واتفق الرهبان على تزكية القس بولس الـدلجاوى ان يكون رئيساً للـدير وتقدمـوا بطلب لقداسة البابا الأنبا ديمتروس الثانى البابا 111 فى تعداد البطاركه الذى كان له معرفة شخصية بسيرة القديس العطره ووافق على ان يكون رئيساً للدير وتمت رسامته قمصاً من قبل البابا
ذهب إلى الدير المحرق وهو أقرب دير إلى بلدته وكان الدير المحرق تحت رئاسة القمص عبد الملك , وكان الرهبان فى ذلك الوقت يقومون بكل أنواع الخدمة فى الدير من رعى الماشية وتفليح الأرض وأعداد الخبز والطعام فى معيشة مشتركة , فأعطيت لبولس القادم الجديد مسئوليات شاقة فقام بها , وعندما أراد رئيس الدير أن يرشحه ليرسم راهبا سأل عنه الاباء والرهبان والشيوخ الذين تولوا تدريبه هل يستحق الرهبنة ؟ فأجابوه بالأجماع : نعم مستحق .
فسيم بولس راهباً بأسم بولس غبريال فإزداد تواضعاً وتقوى , وكان من أبرز فضائلة التى حاول تنميتها وهو راهباً هو أن : يجرد نفسه من محبة متاع العالم ولا يقتنى إلا الكنز الوحيد ألا وهو محبة الرب يسوع , مقتفياً أثار الرب وطريقته فى الحياة حيث قال الكتاب عن الرب يسوع ليس له مكان لأن يسند رأسه , فكان يوزع كل ما تصل إليه يداه للفقراء والمساكين عملاً بقول الإنجيل : " مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ (أع 20: 35 )
وأشتهر بفضائلة وتناقلت الأفواه أعماله وسمع عنه المتنيح الأنبا ياكوبوس مطران المنيا فأرسل إلى الدير المحرق يطلب إرسال الراهب بولس غبريال ليراه , فذهب إليه وسافر إلى المنيا وعندما وقف أمامه بولس غبريال فردد قول ملكة سبأ حينما شاهدت سليمان وكل عظمته وقال : " لقد رأيت أكثر مما سمعت "
وعينه وكيلاً للمطرانية وما أن عين فى هذا المركز حتى حول المطرانية إلى مأوى للغرباء وملجأ للأيتام والمساكين , وهذا الأمر لم يروه أهل المنيا من قبل فتناقلت الألسنة فضائلة وحكاياته وعطفه ومحبته لهم فقد أعتبروه أبا رحيما شفوقاً عليهم , وعاد إلى ديره بعد أن رسمه المطران قسا بأسم بولس غبريال .
وعاد القس بولس غبريال إلى الدير المحرق فى الوقت الذى حدث خلاف فى الدير وطلب الرهبان عزل رئيسهم القمص عبد الملك , وأعتكف فى صومعته على الصلاة والصوم حسب ما تعود بعيداً عن مشاكل الدير وخلافاته , وكان القس الراهب بولس غبريال مثلهم الأعلى فى الرهبنة وكانوا دائما يلتفون حوله ويسمعون إليه , وعندما وجد الأنبا ديمتريوس البابا 111 هذه الخلافات عزل رئيس الدير وأختار الرهبان بالأجماع القس الراهب بولس غبريال رئيسا عليهم .
القس الراهب بولس غبريال رئيس الدير المحرق
كان عمل القس بولس فى الدير هو تدبير أمور الدير بحكمة كأب حكيم ليس بصفته رئيساً يل خادماً للجميع فسار على مبادئ أساسية وهى : -
1 - اهتمامه الروحى ساعد على جذب عدد كبير من الشباب المحب للفضيلة وازداد عدد الرهبان فى فترة رئاسته حتى وصلوا 40 راهبا ترهبوا فى اسبوع واحد على دفعتين وكثير من تلاميذه صاروا قديسين مشهورين لأنه أهتم بحياة الراهب الروحية وكان يحضهم على السير فى حياة الفضيلة وهجر العالم والأكثار من الصلاة والصوم ومراقبة سلوكهم فى رفق ومحبة وقيل أن الدير فى أيام رئاسته كان يشبه الحياة فى السماء ., أن يساوى بين رهبان الدير يعطى الكرامة لمن له الكرامة ومن يحتاج لمساعدة يقدمها له يحب الجميع
2 - اهتمام القديس بالمكتبة اهتم بها أهتماما كبيرا حيث نجد بمكتبة الـدير المحرق الكثير مـن المخطوطات التى ليس حصر وكتب التفسير
3 - زيادة رقعة الارض الزراعية قد اهتم باستصلاح قطعة ارض وزراعتها حتى وصلت مساحتها عشرين فدانا ومازالت تعرف باسم حديقة الأنبا ابرآم
4 - مبانى الدير اهتم ببناء سور الدير وترميمه كما قام ببناء بعض المبانى الاخرى
5 - الحفاظ على املاك الدير وجود وثائق منها وثيقة اعفاء اطيان الدير وقدرها 172 فـدان من رسم الايلوله لوجود حجج تمليك شرعيه طالب بها القديس.
6 - مشاركة الدير فـى احتياجات الفقراء كـان القديس محباً للفقراء والعطاء واراد ان ياخذ الدير بركة هذه الفضيلة فاعطى للفقراء والمحتاجين كثيراً وكانت هذه الفضيلة سببا من أسباب طلب بعض الرهبان عزل القمص بولس عن وفتح القس بولس رئيس دير المحرق أبواب الدير على مصراعية للفقراء والمعوزين ورحب بالبؤساء والمحتاجين والأرامل والأيتام والذين أحنى عليهم الدهر .. فجبر كسر قلوبهم بعطفه وحنانة الأبوى .
فذاع صيته وعرف أمر محبته ونطقت ألسنة الأقباط وغيرهم بأعماله وإلتهبت القلوب سعياً لمعرفته والتبرك به وطلب الدعاء لأجلهم حتى يتحنن الرب يسوع ويحل مشاكلهم .
وأنتشرت فى ألآفاق بذور الإيمان وأزداد إشتياق الشباب للرهبنة حتى يقلدوا سيرته , فتوجه الكثير منهم إلى دير المحرق , فقبل منهم 40 شابا أنتظموا فى سلك الرهبنة , وعلمهم الطريق إلى الحق والحياة حتى صار منهم أساقفة ومنهم طيب الذكر الأنبا مرقس مطران أسنا والأنبا متاؤوس مطران الحبشة والمتنيح القمص ميخائيل البحيرى يقودون غيرهم إلى الطريق الذى سلكه القس بولس غبريال خاصة القمص ميخائيل البحيرى الذى ألتصق بحياة معلمه القس بولس غبريال وأتخذها مثالا لطريقه فصار قديساً طاهرا ورعا مملوءا نعمة وأثماراً صالحة .
عـــزله من الرئاسة - وذهابه إلى دير البراموس
وأمتلأ الدير من أخوة الرب الأصاغر فى حظيرته من الفقراء والمحتاجين , ولم يرتح عدو الخير ورئيس هذا العالم لهذا العمل فبدأ الشرير فى زرع الزوان فى هذا الحقل المثمر فأثار الرهبان ضد رئيسهم لأجل الخير الذى يفعله فصاحوا الصيحة القديمة التى صاحها يهوذا قائلين : " ما هذا الإتلاف " .. وأتهموا القديس بتبديد أموال الوقف وأصروا على عدم قبوله رئيسا بعد لئلا يقضى على ما تبقى من أموال الدير .
واستجاب لهم الأنبا مرقس وتم عزله فى سنة 1870 م وتولى القمص ميخائيل الابوتيجى رئاسة الدير بعده وفرح البعض والبعض لـم يكن راضى.
بعد عـزله كرئيس واظهار عدم الرضا مـن بعض الرهبان وايضا جمهرة الفقراء والمحتاجين والمطالبه بالقمص بولس رأى القمص بولس من الافضل ترك الدير والذهاب لدير اخر وفى سنة1870م ترك الدير وذهب معه بعض تلاميذه المحبين له وهم القمص اقلاديوس الميرى والقمص سليمان الدلجاوى والقمص ميخائيل المصرى والقمص اقلاديوس الخالدى وكـان القمص ميخائيل البحيرى يريد الذهاب لولا القمص بولس غبريال الذى رفض ذلك فتوجهوا الى البطريركيه ومن هناك الى دير الأنبا بيشوى ولم يمكثوا اكثر من ثلاثة شهور انتقلوا بعدها الى دير السيدة العذراء البراموس وكان يوجد به القمص عبد المسيح المسعودى الكبير وهو تلميذ بولس غبريال وظلوا بدير البراموس احد عشر عاما حتى سنة1881م .
فعزلوه وطردوا الفقراء الذين كان يعولهم , ولم يتوقف الغضب عند هذا الحد بل حكموا بطرده من الدير , فقبل ذلك شاكرا مسرورا وكان يقول : " أنا أعرف بأن الله يجعل كل الأشياء تعمل لخيرى " ومن الملاحظ أن السبب الأساسى لطردة هو محبة الرهبان المال الذى هو أصل كل الشرور بالرغم من أساس رهبنتهم هو الفقر الإختيارى عاملين فى جد ويكفى اليوم شره وأن أقصاءه من امام عيونهم لكى يستريحوا ناسيين أعماله الصالحة مقارنة بأعمالهم .
وترك القس بولس غبريال دير المحرق مطرودا هو والفقراء وترك البلدة بين صراخهم وعويلهم وذهب أبيهم وراعيهم واثقا فى الرب يسوع الذى يعطى الجميع بسخاء , وسافر إلى مصر ومعه بعض أولاده منهم الأنبا متاؤوس مطران الحبشة السابق (كان راهب فى ذلك الوقت) وأيضا القمص أقلايوس الميرى , والقمص سليمان الدلجاوى وغيرهم , وقابلوا الأنبا مرقس الوكيل البطريركى وأتفقوا معه على أن يذهبوا إلى دير البراموس , وكان رئيسه فى ذلك الوقت القمص يوحنــا النــاسخ ( أصبح فيما بعد الأنبا كيرلس الخامس ) فقابلهم بالترحاب وأسكن كل واحد منهم فى قلاية واقام هناك معتكفاً مواظباً على الأصوام والصلوات .
وفى سنة 1881 م وصل وفد من أمبراطور اثيوبيا يوحنا كاسا يطلب رسامة مطران وثلاث أساقفة , فوقع أختيار البابا على القمص يوحنا الناسخ رئيس دير البراموس ووضعوه تحت الحفظ حتى وقت رسامته ولكنه هرب متخفيا فى غير ثيابه , فإختاروا بدلاً منه الأنبا بطرس ثم الأنبا متاؤس وأسقفين معه, ولما كان هؤلاء الأساقفة هم من تلميذى القس الراهب بولس غبريال وعرفوا أن أن كرسى الفيوم والجيزة شاغراً فطلبوا من البابا رسامة أبيهم على هذا الكرسى بدون معرفة منه , وتمت رسامته فى شهر أبي سنة 1597 ش الموافق سنة 1881 م أسقفا للفيوم والجيزة بأسم ألأنبا آبرآم .
فى سنة 1881 تمت رسامه القمص اقلاديوس الميرى مطرانا لأثيوبيا باسم الأنبا بطرس والقمص اقلاديوس الخالدى أسقفا لاثيوبيا باسم الأنبا متاؤوس وقد سبقهم القمص ميخائيل المصرى أسقفا على كرسى صنبو باسم الأنبا اثناسيوس هؤلاء اجتمعوا وطلبوا من قداسة البابا كيرلس الخامس برسامة ابيهم القمص بولس غبريال أسقفاً للفيوم حيث كان أسقفها قد تنيح منذ فترة وقـد ساند تلك التزكية القمص عبد المسيح المسعودى الكبير ووافق البابا على ذلك واطاع القمص بولس غبريال الذى لم يعلم فى بداية الامر بتلك التزكية وبهذا التدبير الالهى صار القمص بولس غبريال المحرقى اسقفا للفيوم والجيزة باسم الأنبا ابرآم فى شهر ابيب 1597 ش 1881 م
وقد رسم فى نفس اليوم معه نيافة الأنبا ايساك مطران بنى سويف حيث كانت بنى سويف والفيوم والجيزة ايبارشية واحدة منذ مائة سنة لهذا التاريخ
بعد مـا يقرب من خمس سنوات من رئاسته للدير قـام بعض الرهبان بطلب إلى نيافة الأنبا مـرقس مطران البحيرة القائمقام بعد نياحة البابا ديمتريوس بعزل القمص بولس عن الـرئاسه بحجه انه يبدد اموال الدير على المساكين وهذا يوشك الدير على الافلاس والبعض اقدموا على ذلك رغبة منهم فى رجوع ابيهم الرئيس السابق القمص عبد الملاك الهورى