يرى اليونان المحدثون أن هذا القديس من أهالي صيدا. زار المؤرخ روفينيوس دير القديس بفنوتيوس المتوحد
بالصعيد الأقصى عام 390، وكان القديس قد تنيح فروى لنا ما سمعه عنه. عاش في صعيد مصر في حياة مقدسة،
حتى كان يسلك كملاكٍ على الأرض. تمتع بشفافية مرهفة وعلاقة وثيقة مع السمائيين. قيل إنه هو الذي قام بالدور
الرئيسي في توبة تاييس الخاطئة، وإن كان البعض يرى أن القديس بيساريون هو المقصود، بينما يرى آخرون أن ما
حدث مع أحد رجال الله يمكن أن يتكرر أيضًا مع غيره. لا نعرف تاريخ نياحته، وإنما قيل إنه إذ عرف وقت انتقاله
وكان جماعة من المتوحدين حاضرين معه أسلم الروح بهدوء إلهي عجيب، وشهد الحاضرون الملائكة تحمل روحه
وهي تسبح الله ممجدة إياه. القديس بفنوتي واللص يقدم لنا التاريخ القصة التالية التي تكشف عن شوق الله لخلاص
كل نفس، إذ قيل إن القديس بفنوتي كان قد نما في الروح وسما في حياة الفضيلة في الرب، حتى كان ينظر بعض
. في إحدى المرات سأل عن مدى تقدمه في الفضيلة، فقيل له إنه بلغ قامة أحد محترفي الغناء في قرية مجاورة له.
دُهش الأب جدًا كيف يُقارن برجل محترف غناء في قامته الروحية بينما قد قطع شوطًا كبيرًا في الحياة النسكية،
وكرس كل وقته للعبادة، وتأهل للتمتع بمناظر سماوية. أسرع إلى القرية ليلتقي بهذا المطرب، ويسأله عن سلوكه،
فأجاب أنه إنسان شرير يعيش على أموال سبق أن اقتناها من السرقة. ألحّ عليه أن يحدثه عن تصرفاته الحسنة،
فأجابه أنه لا يذكر إلا أمرين: الأمر الأول أنه في فترة ممارسته لأعمال السرقة اختطف زملاؤه اللصوص عذراء
كرست نفسها لله، وإذ أراد زملاؤه اغتصابها انتزعها من أيديهم واقتادها إلى قريتها دون أن يلحق بها ضررًا.
والأمر الثاني أنه رأى في الصحراء امرأة في حالة إعياء شديد، حملها إلى مغارته وقدم لها طعامًا وشرابًا دون أن
يمسها، وإذ سألها عن سّر مجيئها إلى الصحراء أجابت أن دائنًا قد زج برجلها وأولادها في السجن من أجل 300
قطعة من الفضة وأنه يطلبها فهربت منه ولها أربعة أيام لم تأكل قط، فتأثر جدًا وقدم لها 300 قطعة من الفضة، هو
أغلب ما لديه سائلاً إياها أن تنقذ رجلها وأولادها. تعجب القديس بفنوتيوس من هذا اللص الرحيم وعرف أن الله إنما
أرسله لخلاص نفسه، فبدأ يحدثه عن محبة الله الحانية، وللحال ألقى الرجل مزماره وتبع المتوحد ليقضي ثلاث
سنوات تحت رعايته يسلك طريق الكمال حتى تنيح. القديس بفنوتي ومضيف الغرباء إن كان الله قد قارن القديس
بفنوتي المتوحد بلصٍ رأى فيه استعدادًا وممارسةً للحب العملي، ففي دفعة أخرى قارنه الله برجلٍ متزوج أنجبت
زوجته ثلاثة أولاد وعاش معها بعد ذلك كأخٍ، وكان لا يرفض قط ضيافة أحدٍ ولا يحتقر فقيرًا ولا يمتنع عن مساعدة
محتاج! لهذا كان القديس يقول لنفسه: "إن كان الذين في العالم يعملون أعمالاً ممتازة، فكم أكون أنا ملزمًا كمتوحد
أن أجتهد لكي أتقدم عليهم في تداريب التوبة؟!" وهكذا كان يزداد مثابرة وجهادًا في صلواته ونسكياته.