البابا بطرس خاتم الشهداء
--------------------------------------------------------------------------------
المحبة قوية كالموت (نش 8: 6). ليس الحب كلامًا، ولا مجرد عاطفة، إنما هو عمل وبذل من أجل المحبوب! هكذا تعرّف أبونا الطوباوي بطرس على الله الحب الحقيقي فأحب الناس، محتملاً لأجل خلاصهم ضيقات من الخارج وفي الداخل! فقد جرحت نفسه بسبب اضطهاد أولاده... وحمل الموت كل يوم من أجل الجاحدين... وتمررت روحه فيه بسبب انشقاقات الكنيسة... وتألم بسبب الهرطقات...
أخيرًا حين خرجت الإسكندرية كلها إلى السجن تفتدي باباها، سلم حياته سرًا طالبًا من الله أن يكون دمه آخر قطرات تُسفك في مصر تحت الحكم الروماني.
ابن الصلاة
إذ دخلت صوفيا زوجة الكاهن السكندري ثيؤدوسيوس الكنيسة، لتشترك في الاحتفال بعيد الرسل، بدأت تبكي، فقد رأت كثيرين تجمهروا حول أيقونة الرسل يدهنون أطفالهم بزيت القنديل المدلى أمام الأيقونة(1). رفعت صوفيا قلبها نحو الله وتنهدت في تواضع تطلب منه أن يهبها بصلوات رسله ابنًا يخدمه كل أيام حياته. وفي تلك الليلة رأت في نومها شخصين يلبسان ثيابًا بيضاء، يقولان لها: لا تحزني! فقد سمع الرب صلاتك وهو يرزقك طفلاً يكون أبًا لأمم كثيرة. يكون اسمه كصموئيل، إذ هو ابن موعد أيضًا! وعندما اِستيقظت السيِّدة فرحة متهللة وأخبرت زوجها بالرؤيا، أمرها أن تسرع إلى البابا. باركها البابا وقال لها: ليكن لك ما أنبأتْكِ به السماء، فإن الله صادق وأمين في مواعيده، وهو قادر على كل شيء، وأعماله عجيبة في قديسيه. وفي عيد الرسل التالي، أنجبت صوفيا ابنًا، وأخبرت البابا الذي شارك والديه فرحهما، قائلاً: أدعوه بطرس لينال بركة صاحب العيد الذي وُلد فيه الطفل(2).
في حضن الكنيسة
بعد ثلاثة أعوام التقى الوالدان مع البابا ثأونا، يحملان طفلهما الذي تربى في دفء إيمان والديه العملي. لقد قالا للبابا(3): هذا ابن صلاتك، وثمرة بركاتك يا أبانا. عندئذ أخذه البابا وعمده هو ووالديه.
هكذا نما بطرس في القامة والنعمة، ففي الخامسة من عمره أرسله والداه ليتعلم الدين والدراسات الكنسية، وفي السابعة أُقيم أُغْنسطس أي قارئًا، وفي الثانية عشرة شماسًا يخدم الكنيسة بروح تقوي نسكي، ملازمًا الكنيسة نهارًا وليلاً، منكبًا على الدراسة، سالكًا في تواضع! فأحبته الكنيسة كلها وسيم قسًا في السادسة عشر من عمره(4).
قيل عنه(5) أنه كثيرا ما كان يرى ابن الله يناول المؤمنين بيد البابا ثأونا، وفي إحدى المرات شاهد يد الرب تمنع البابا عن تناول أحد الأشخاص غير التائبين.
لقد عرف القس بطرس كيف ينسحب من حين لآخر عن العمل الكهنوتي للدراسة في الكتاب المقدس، حتى تأهل أن يكون مديرًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية(6)، ونال لقب المعلم البارع في المسيحية(7).
مع سابليوس الأسقف
كان سابليوس أسقفًا لبطولمايس(8)، وهي ميناء يتبع المدن الخمس الغربية بانتابوليس الممتدة من طرابلس حتى حدود إقليم مريوط بمصر تجاه الصحراء الغربية.
ينسب لسابليوس بدعة Sabellianism التي تنكر وجود الثلاثة أقانيم للجوهر الإلهي الواحد. إنما هم في نظر هذه البدعة مجرد سمات أطلقت على أدوار ثلاثة يقوم بها الله الواحد، أي ثلاثة أشكال models لإعلان الله الذاتي، لهذا دعيت هذه البدعة بال Patripassions، إذ تقود بدعتهم لهذه النتيجة أن الآب قد تألم على الصليب تحت شكل الابن.
جاء سابليوس إلى الإسكندرية، وطلب مقابلة البابا ليناقشه في تعاليمه، فأرسل إليه القس بطرس الذي اِستصغره في عينيه، ولكن ما أن بدأ الحديث حتى أفحمه، بل وقيل أنه أصيب بمرض خطير ومات للحال، وتبدد أتباعه(9).
معجزاته
في أحد الأعياد فوجئ المؤمنون عند خروجهم من الكنيسة بعد الصلاة برجل مصاب بروح نجس يزأر كالأسد ويرشقهم بالحجارة، فهرعوا إلى الكنيسة يخبرون البابا بالأمر. فطلب البابا من القس بطرس أن يُخرج منه الروح النجس، فأحضر القس وعاءًا به ماء، وطلب من البابا أن يرشم عليه علامة الصليب وينفخ فيه، ثم أخذ الماء ورش به وجه الرجل المصاب، قائلاً: [باسم سيِّدي يسوع المسيح ابن الله الحيّ، الذي أخرج لجيئون وأبرأ المرضى، اُخرج منه أيها الشيطان، بصلوات أبي القدِّيس ثاؤنا البطريرك، ولا تعد إليه.] وللوقت خرج منه الروح الشرير وشُفي الرجل، وصار هادئًا.
هذه إحدى المعجزات التي صنعها الله على يديه(10).
التجسد في فكر القديس كيرلس الكبير
على كرسي مارمرقس
إذ دنت ساعة رحيل البابا ثأونا اجتمع الكهنة مع الشعب حول راعيهم يبكونه، قائلين: تمضي هكذا يا أبانا وتتركنا يتامى!. ابتسم البابا في دعة وأشار بيده إلى القس بطرس وهو يقول: هذا أبوكم الذي يرعاكم من بعدي!... إني أخبركم أمرًا عجيبًا لا أستطيع اخفاءه. فإنني في إحدى الليالي إذ كنت أصلي المزامير وأنا مستلقى بسبب المرض، طلبت من الرب أن يرسل راعيًا صالحًا لقطيعه، يعمل حسب مشيئة الله وسط هذا الضيق(11)، فظهر لي الملك، رب المجد وقال لي: أيها البستاني للحديقة الروحية، لا تخف على البستان ولا تقلق. سلمه إلى بطرس الكاهن يرويه، وتعال أنت لتسترح مع آبائك. عندئذ تطلع البابا إلى تلميذه بطرس وهو يقول له: تشجع، فإن الله معك يا ابني، أفلح البستان جيدًا. بكى بطرس وسجد أمام أبيه، قائلاً: إني غير مستحق وليس لي قوة لعمل عظيم هكذا. أجابه البابا: لا تقاوم الرب فإنه يهبك القوة!. ثم ودّع البابا أولاده وأعطاهم السلام، ورفع عينيه نحو السماء ليتمتم: هوذا ملك المجد وملائكته والقدِّيسون!؛ وأغمض عينيه في 2 طوبة سنة 18 للشهداء (28 ديسمبر 301م).
في أول أمشير سنة 18ش (25 يناير 302م)، اجتمع الإكليروس الإسكندري وسائر الشعب وتمت سيامة القس بطرس البطريرك السابع عشر على الإسكندرية.
اتمنى ان يكون عجبكم