في حديثنا عن استشهاد القديس بوثينوس أسقف ليون، في عهد مرقس أوريليوس عام 177م، سنرى انه
من بين الذين تمتعوا بالاستشهاد معه الفتاة بلاندينا. كانت عبدة ضعيفة الجسم لذا خشي رفقاؤها عليها لئلا تنهار أمام العذابات، لكن السيد المسيح أعلن قوته ومجده في ضعفها. جاء في الرسالة التي كتبها مسيحيو فينا وليون بخصوص ما احتمله الشهداء في عهد مرقس أوريليوس:
"على أن كل غضب الوالي والجند انصب فوق هامة بلاندينا التي أظهر المسيح فيها أن ما يبدو في نظر البشر حقيرًا ودنيئًا ووضيعًا فهو في نظر الله مجيد...
vلأننا إذ كنا كلنا مرتعبين، وكانت سيدتها الأرضية - وهي ضمن الشهود - خائفة لئلا يعوقها ضعف جسدها
عن الاعتراف بجسارة، امتلأت بلاندينا قوة فصمدت أمام معذبيها الذين كانوا يتناوبون تعذيبها من الصباح حتى المساء بكل نوع، حتى اضطرتهم إلى الاعتراف بأنه قد غُلب على أمرهم ولم يستطيعوا أن يفعلوا لها شيئًا أكثر، وذهلوا من قوة احتمالها إذ تهرأ كل جسدها، واعترفوا أنه كان يكفي نوع واحد من هذه الآلام لإهراق الروح، فكم بالأولى كل هذه الآلام المتنوعة العنيفة؟"
vإذ حُدد موعد لتقديمها مع بعض رفقائها طعامًا للوحوش، عُلقت على خشبة فكانت تصلي بحرارة، حتى
سحبت قلوب رفقائها للسماويات، وامتلأوا سلامًا وتعزية. وإذ أُطلقت عليهم الوحوش المفترسة الجائعة وقفت أمامهم كحيوانات لطيفة مستأنسة لا تمسهم بأذى، الأمر الذي أثار دهشة الحاضرين وملأ قلوب الجلادين غيظًا، فأعيد الشهداء إلى السجن.
vكان الحراس يأتون ببلاندينا ومعها شاب صغير في الخامسة عشرة من عمره يُدعى بونتيكس Ponticus،
قيل انه أخوها حسب الجسد، ليشاهدا كل يوم عذابات الشهداء لعلهما ينهارا وينكرا الإيمان، وإذ كانا ثابتين في إيمانهما بمسيحهما، تعرضا لعذابات شديدة، دون مراعاة لصغر سن الشاب أو جنس بلاندينا.
vأخيرًا جاء موعد رحيلها فكانت متهللة، كأنها قادمة على يوم زفافها المبهج لا للطرح أمام وحوش مفترسة.
شعرت أنها أم قدمت السابقين لها كأبناء تمتعوا بالإكليل وها هي تنطلق لتلحق بهم. احتملت الجلدات القاسية بفرح، ثم تُركت للوحوش المفترسة إلى حين، لتُلقى على سرير حديدي ملتهب بالنار، وأخيرًا طرحت أمام ثور قذف بها هنا وهناك، وكانت في هذا كله متهللة كأن انفتاح بصيرتها على السماء قد سحب أحاسيسها عن الآلام. وقد اعترف الوثنيون أنفسهم أنهم لم يشاهدوا امرأة احتملت آلامًا مثل هذه الشهيدة.
بركة صلواتها تكون معنا آمين