وُلدت القديسة هيلانة (حوالي 250-327م) بمدينة الرُها من أبوين مسيحيين نحو سنة 247م، فربّياها تربية مسيحية وأدّباها بالآداب الدينية. وكانت حسنة الصورة جميلة النفس، واتفق لقُنسطنس ملك بيزنطية أن نزل بمدينة الرُها وسمع بخبر هذه القديسة وجمال منظرها، فطلبها وتزوجها حوالي عام 270م. فرزقت منه بقسطنطين فربّته أحسن تربية وعلّمته الحكمة والآداب. وفي عام 293م التزم قُنسطنس بأن يطلقها لكي يرتبط بقرابة مع الإمبراطور الأكبر في الغرب أوغسطس مكسيميان، بزواجه من ابنة له من زواج سابق تُدعى ثيؤدورا. استمرت هيلانة مرتبطة بابنها، أما الثلاثين عام التالية فلا نعرف الكثير عنها. في ظروف حرجة عاد لهيلانة مكانتها العظمى عندما ملك قسطنطين
. نٌصرته على ليسينيوس Licinius عام 324م جعلته الحاكم الوحيد على الإمبراطورية الرومانية، والصراع الخطير داخل الأسرة المالكة أدى إلى استبعاد الزوجة الثانية فوستا Fausta وابنه كريسيس Crispus.
هيأت الملكة هيلانة قلب ابنها قسطنطين ليقبل الإيمان بالسيد المسيح. وفي الوقت المعين ظهرت له علامة الصليب في السماء وقد نُقش تحته "بهذا تغلب". بالفعل انتصر، وآمن بالمصلوب، وصار أول إمبراطور روماني مسيحي.
اشتركت مع قسطنطين بخصوص إقامة مبانٍ كنسية في بيت لحم وأورشليم، واكتشافها للصليب المقدس سبب حركة إحياء لأورشليم وشجع على السياحة إليها. رأت القديسة في الليل من يقول لها: "امضِ إلى أورشليم وافحصي بتدقيق عن الصليب المجيد والمواضع المقدسة". وإذ أعلمت ابنها بذلك أرسلها مع حاشية من الجند إلى أورشليم، فبحثت عن عود الصليب المجيد حتى وجدته، كما وجدت الصليبين الآخرين اللذين صلب عليهما اللصان. فقصدت أن تعرف أيهما هو صليب السيد المسيح، فأعلمها القديس مقاريوس أسقف كرسي أورشليم بأنه هو الصليب المكتوب أعلاه: "هذا هو يسوع ملك اليهود". ثم سألته أن ترى آية ليطمئن قلبها، فاتفق بتدبير السيد المسيح مرور قوم بجنازة ميت في ذلك الحين، فوضعت كلاَّ من الصليبين على الميت فلم يقم، ولما وضعت الصليب الثالث قام الميت في الحال، فازداد إيمانها وعظم سرورها. بعد ذلك شرعت في بناء الكنائس، وبعد ما سلمت للأب مقاريوس المال اللازم لعميلة البناء أخذت الصليب المجيد والمسامير وعادت إلى ابنها الملك البار قسطنطين، فقبَّل الصليب ووضعه في غلاف من ذهب مرصع بالجواهر الكريمة، ووضع في خوذته بعض المسامير التي كانت به. صارت هيلانة مثلاً حيًّا للإمبراطورة المسيحية التي تساهم في جعل الإمبراطورية الرومانية مسيحية. سارت هذه القديسة سيرة مرضية ورتبت أوقافا كثيرة على الكنائس والأديرة والفقراء. ثم تنيّحت عام 327م وهي قرابة الثمانين.